Tuesday, February 23, 2010


كلما ازدادت الفكرة هشاشة كلما ازداد إرهاب أصحابها، في الدفاع عنها

Monday, February 22, 2010

ظاهرة البرادعى...دعوة للتأمل

"ن الفقر وما ينتج عنه من فقدان الأمل يمثل "أرضا خصبة" للجريمة المنظمة والحروب الاهلية والارهاب والتطرف."
   محمد البرادعى

بداية لست شديد الحماس للدكتور محمد البرادعى مع عظيم تقديرى للرجل، فهو بالنسبة لنا قادم من الغيب، لم يعش فى مصر معظم حياته، ولم يمارس السياسة بالمعنى المباشر أى لم يدخل الى العمل فى الحركة اليومية للجمهور من نضال متجدد حول الظروف الإجتماعية الصعبة والمعاناه لملايين المصريين من اجل لقمة العيش، من طوابير الخبز والأنابيب الى إعتصامات العمال و إضرابات الصيادلة والأطباء واعتراضات الطلاب والصحفين واساتذة الجامعات والقضاة، حيث كان يعيش فى جينيف حياة مرفهه، ولم يجرب سجون ومعتقلات السلطة وحتى لم يشارك برأى واضح فى قضايا الديموقراطية والحريات الاّ بعد أن انتهت ولايته فى المنظمة الدولية وما تردد فى مصر عن امكانية ترشيحه للمنصب الرئاسى.
على أن الرجل انصافا لم تتلوث يده يوما بشبهة فساد أو إستغلال منصب أو تربح أو حتى علاقة بالسلطة، أو بقوى المعارضة التى تم ترويضها واستنامتها منذ زمن طويل، فهو بشكل عام انسان عصامى بنى نفسه بنفسه، وإبن أحد المشهود لهم بالوطنية نقيب المحامين الأسبق فى عهد عبد الناصر مصطفى البرادعى، كما أنه حقق لنفسه ولوطنه مكانة دولية محترمة و إستحق ان يفوز بجائزة نوبل بجدارة، والتى تبرع بها لدور رعاية الأيتام فى مصر.
المسألة الأهم فى نظرى هو أن قوى المعارضة فى مصر تعانى من مشاكل متعددة بنيوية وتنظيمية وجماهيرية ومفتقدة بشكل كبير لوجود رمز تاريخى يمكن ان يتوحد خلفه الجميع من أجل إنقاذ الوطن والخروج من الوضع الإستاتيكى الذى نعيشه، فاليسار المتشرذم عاجز عن فعل شيئ، والإخوان القوة الأكثر تنظيما وجماهيرية حبيسة أزمتها الداخلية ولا تقبل الاّ بمن يعتنق أفكارها ويعمل تحت إمرتها، وتتخوف من رياح أى فكر مدنى، وباقى الأحزاب الرسمية قانعة بوضعها الهامشى و ما يهمها هو رضا السلطات عنها.
ولكن كما ذكرت فى مقال سابق (الحكومة ترقص على إيقاع شباب الفيس بوك ) فإن هذا الشباب الواعد هو من بدأ بفكرة ترشيح البرادعى للرئاسة والتى تلقفها الأستاذ هيكل طارحا فكرة تكوين لجنة حكماء من ضمنهم البرادعى لوضع دستور جديد، ولكن هذا الشباب كان أكثر جرأة ومصداقية فاخترع فكرة التوكيلات والدعاية على النت والإعداد لإستقباله فى المطار وآخرها طبع كتاب مليونى للتعريف بالرجل ومواقفه.
لا يشكك مكابر فى مواقف البرادعى ورؤيته الليبرالية ودفاعه عن حقوق الإنسان والديموقراطية، قد يشكك البعض فى رضا أمريكا عنه، وفى بعض مواقفه التوافقية أثناء رئاسته للوكالة، حسنا للرجل مآخذه ولكن هو وطنى وديموقراطى معا، ووجها مقبولا فى الداخل والخارج، ورمزا يمكن مساندته والبناء على مواقفه.
إن النظام يعرف قدر منافسيه، لذا نجده مرعوبا من احتمال دخول الرجل المعترك السياسى، وهم يعلمون أن الحملة التى أثاروها جاءت برياح عكسية، لذا فى محاولاتهم الأخيرة يعملون على تحطيمه وشل عزيمته بالضربات التكتيكية وليس بالقاضية، أليس من العقل الآن أن تحتشد كل القوى المطالبة بالتغيير للتمسك به خيارا، فلا أعتقد أن الآخرين فى المعارضة بظروفهم البائسة قادرين على تسويق بديلا عنه، والمراهنة على وجوه محروقة مثل أيمن نور لم تعد تجدى، وعلى عناصر نخبوية وضعيفة مثل حمدين الصباحى لا تنفع، فليس هناك شخص بقامة البرادعى قادر على تحريك الجماهير فى مواجهة مبارك أو إبنه.
تبقى الإشكالية الواقعية لإنفاذ سيناريو تغيير الدستور ونزاهة الإنتخابات والمراقبة الداخلية والخارجية لها وكل التحديات التى يمكن أن نواجهها، فى رأيي انه يجب الإتفاق بداية على المبدأ، هل نحن جادون فعلا وراغبين فى التغيير؟ وإذا كان ذلك كذلك، فهل نتخلى ولو قليلا عن ذواتنا المتضخمة بالفعل ونقرر النضال مع هذا الرجل، بعدها اظن أن لا شيئ مستحيل، الوقت ما زال أمامنا، فأكثر من عام ونصف ليس بالقليل، والحراك الجماهيرى قد بدأ، نعم لا يوجد ماهو سهل، ولكن لنتذكر أن هذا الشعب قادر على صنع المستحيل، المهم أن نبدأ.

Saturday, February 20, 2010

أفاتار...والإبهار التكنولوجى


لأول مرّة فى تاريخ السينما تحدث هذه النقلة النوعية الهائلة بإستخدام تقنية الأبعاد الثلاثة 3d فى إخراج فيلم خيال علمى ضخم ومعقد بهذا المستوى هو فيلم AVATAR المبنى على قصة اسطورية من تاليف المخرج " جيمس كاميرون " الذى امتعنا وأبهرنا معا بفكرة جميلة وجريئة واخراج يخرج على جميع ما أبدعته السينما الأمريكية حتى الآن.
بداية فأنا لست ناقدا سينيمائيا، ولست ممن يحفظون أسماء صناع السينما العالمية من ممثلين ومخرجين ولكننى أحاول قراءة الفيلم بالدرجة الأولى من الناحية السياسية من خلال القصة التى تعتمد على رفض الظاهرة الإستعمارية لأمريكا والإنحياز للشعوب المضطهدة.
القصة بإختصار تدور فى أحد الكواكب البعيدة والذى يسمى "باندورا" (وتعنى فى الأدب الإغريقى "المرأة الأولى..حواء") والشبيه بكوكب الأرض، حيث تحاول قوة أمريكا السيطرة عليها لوجود نوع من المعادن المنتجة للطاقة، من خلال ارسال قوة عسكرية على مركبة فضاء الى هذا الكوكب، وإختراق سكانه الأصليين "النافى" بواسطة عناصر من هذه القوة يتم تأهيلها ذهنيا من خلال دمج جينات ومورثات ليتشكل عنصر جديد يسمى " أفاتار" (وهذه الكلمة منقولة عن مصطلح فى الديانة الهندوسية تعنى الحلول الإلهى فى جسم إنسان أو حيوان)، وذلك لخلق جسم موازى له على الكوكب يشبه "النافى" الذين يتميزون بالطول الفارع واللون الأزرق والأنف المفلطح والعيون الواسعة الزجاجية والذيل الطويل، وتنجح عالمة البعثة " جريس أوجاستين" فى تحويل جندى أمريكى مقعد يسمى "جاك سالى" فى التحول الى أفاتار وذلك بهدف الولوج الى عالم "النافى" المسالم والتجسس عليهم تمهيدا لغزوهم، حيث يضل طريقه فى الغابة وتنقذه من الموت بطلة الفيلم وتسمى "نايتيرى" التى تعتقد أنه جاء لمساعدتهم، وتقرر القبيلة الإبقاء على حياته وتكليف الفتاة بتعليمه تقاليد القبيلة ولغتها حيث يتقنها سريعا ويتعلم ركوب طائر الرخ الأسطورى المفترس، والوقوع فى حبها.
بمعايشة جاك للقبيلة ودراسة تقاليدها المسالمه والمحبه للبيئة الى أقصى الحدود يحدث له تغير فكرى وتعاطف معهم، وأثناء ذلك يكتشف وجود العنصر المنتج للطاقة تحت الشجرة الضخمة التى تعيش عليها القبيلة، ويحاول الجندى اقناع القبيلة بالرحيل عن هذه الأرض حيث لا قبل لهم بمقاومة الغزاة لكنهم يرفضون ويقررون التمسك بأرضهم.
نتذكر هنا بوضوح سلسلة الحروب الأمريكية فى المنطقة والرغبة فى الإستيلاء على مصادر الطاقة وإستخدام القوة المفرطة فى مواجهة الشعوب الضعيفة بإستخدام مبررات واهية، أذكر هنا قول أحد الجنود فى الفيلم ( عندما تحتاج شيئا وتجده عند غيرك، تجعله عدوك لكى تتمكن من الحصول عليه بالقوة)، وأيضا قول القائد العسكرى للحملة ( سنواجه الإرهاب بالإرهاب ).
فى النهاية يتم الهجوم الكاسح ويتصدى لهم جميع افراد القبيلة و على رأسهم الجندى جاك سالى والعالمة جريس، ويشارك فى صد الهجوم جميع الحيوانات الصديقة والعدوة ليتم لهم الإنتصار فى النهاية وهزيمة المعتدين.
الدرس المستفاد من ذلك هو أن القوة وحدها لا تستطيع كسر إرادة الشعوب، وأن النصر فى النهاية هو للمقاومة، درس مستفاد منذ حرب فيتنام، وأن الموقف الصحيح دائما هو رفض الحلول الوسط والتمسك بالحقوق كاملة.
على أنه رغم هذه الصورة الوردية الاّ أن هناك جوانب أخرى للصورة لايمكن إغفالها، فالإيهام أن الحل يأتى دائما من داخل المنظومة الغربية، بالإنشقاق من داخلها، ومن خلال قيادة الأمريكى المتحول فى الفيلم، وإظهار الأمريكى دائما بصورة المتفوق والبطل مما يعد هنا استمرارا لأفلام روكى ورامبو بصورة مغايرة.
ويمكن أيضا فهم الإيرادات الضخمة التى حققها الفيلم جزئيا من خلال سابقة المخرج فى إخراج أعلى الأفلام إيرادا فى تاريخ السينما" تيتانيك"، وفى حجم الدعاية الضخم الذى تكلف وحده ما يقرب من 150 مليون دولار، وأيضا فى الفضول الذى يدفع الكثيرين الى محاولة مشاهدة هذه التقنية الجديدة.
وإذا تخلصنا من صدمة الدهشة الأولى فسنجد اننا أمام فيلم خيال علمى واثارة ومغامرات مبنى على قصة عادية ومكررة، تم ادخال عناصر ابهار معقدة اليها بأدوات وأجهزة غاية فى التطور حتى أننا يمكن أن نقول بغير تزيّد أن الكمبيوتر هو البطل الحقيقى فى هذا الفيلم، حيث ان السينما الثلاثية الأبعاد تشعرك بالوجود داخل الحدث والتفاعل معه وهو أقرب لروح الأطفال والشباب الصغير مما يجعلهم الجمهور الأساسى للفيلم.
كما أنه من المبكر الحديث ان طريقة التصوير هذه ستكون الأساس لسينما المستقبل، حيث انها أنسب لأفلام الخيال والأساطير أو العالم الخرافى، وأيضا لصعوبة التكيف مع النظارة التى تستخدم لمشاهدة هذه التقنية حيث اننى لم اكن مستريحا لإستعمالها طوال الفيلم.

Friday, February 19, 2010



لو رأى الظالم إلى جانب المظلوم سيفاً لما أقدم على ظلمه
عبد الرحمن الكواكبى

Monday, February 15, 2010

Never try to teach a pig how to sing - it wastes your time and annoys the pig.

لا تكلمنى شكرا


لا أعرف سببا واحدا لقيام مخرج متميز مثل "خالد يوسف" بإخراج هذا الفيلم بعد سلسلة أعماله الناجحة منذ العاصفة، نعم لقد لاحظنا تدنى أعماله منذ " حين ميسرة" فيلما وراء الآخر لكن لم أتوقع أن يصل به الأمر الى هذا المستوى، لاشك أن الفيلم الأخير تجارى بإمتيازو يذكرنا بظاهرة أفلام المقاولات التى غزت السينما المصرية فى سبعينيات القرن الماضى، لكن الجديد فى هذا الفيلم أن المخرج يقوم بعملية تصالح مكشوفة مع السلطة متجاوزا كل مقولاته السابقة حول الفساد والتعذيب ليظهر الجهاز الأمنى فى صورة لطيفة بل ومتعاطفا مع الفقراء والمهمشين حتى آخر لقطة، وعدم استخدامه لأى شكل تعود عليه فى مجمل أعماله السابقة للأمن المركزى وهو يقمع المظاهرات مثلا، حتى أنه يحاول تبرير سرقة أقوات الشعب، من خلال الظروف التى تدفع الفران الذى يبيع الدقيق المدعوم للقيام بذلك، بل يصل به الأمر لتشويه الفضائيات المعارضة بإفتعال مشهد مفبرك عن التعذيب، متهما لهذه الفضائيات بافتعال مشاهد التعذيب وكأنها من صنع الخيال، ومحاولة اثبات ذلك عمليا مما يطعن فى مصداقية جميع ما يذاع وينشر عن التعذيب وكأنه مجرد تمثيل،والغريب ان موقفه من قوة الجماهير وصلابتها قد تغير ايضا، فهى تنهزم سريعا امام طلقات فى الهواء من عصابة صلاح معارك، هذه الجماهير نفسها التى إقتحمت قسم الشرطة فى فوضى للإفراج عن مسجون.
ورغم ان المخرج لم يقوم بتشتيتنا من خلال حشر كل القضايا بشكل بانورامى فى شريط واحد كما عودنا فى افلامه السابقة واكتفى ببعض القضايا مثل التى عالجها بسطحية شديدة مثل أزمة الخبز وتشفير المباريات وشيوع المواقع الإباحية على النت، والزج بموضوع أطفال الشوارع فى محاولة فاشلة لقضية مفتعلة وإصابتهم بالعمى الناتج عن شم "الكولّة" حيث لا ينجح فى جذب تعاطفنا أو حتى إقناعنا بموضوع العمى الذى يجيئ فجأة وبلا مقدمات، خصوصا أن من عرضهم بالفيلم ليسوا أطفال شوارع بل هم مجموعة من الأطفال المنحرفين من عزبة "حليمة" تضامن معهم جميع ساكنيها فى مشهد نهاية فولكلورى فج.
المشاهد الجنسية فى الفيلم ليست هى مشكلته، ولكن الحوار المبتذل واستخدام لغة شديدة السوقية وجارحة للذوق العام هى المشكلة، فما قامت به غادة عبدالرازق "أشجان" وحتى أختها فتاة النت ياتى فى السياق العام للفيلم ولكن المخرج وظّف هذه المشاهد لجذب المراهقين كما يظهر فى الإعلانات التى تم تسويقها عن الفيلم، ربما كان ذلك سببا غير كافى لعرض الفيلم للكبار فقط ، ويأتى ذلك ربما على هوى المخرج لأنه يساعد على المزيد من الترويج.
الفيلم يفتقد الى الصراع الحقيقى سوى بعض المشاكل المعتادة بسبب المصالح المتناقضة لأبناء الحارة، بين عاطف الطاير( شادى خلف ) وابراهيم توشكا فى موضوع خطوط الموبايل المحروقة أو المباريات، وحتى هذه ينهيها المخرج بطريقة ساذجة حرصا على النهايات السعيدة، حيث يتحول الطاير فجأة من عدو الى صديق، وأيضا الدور المفتعل لصلاح معارك ( ماجد المصرى ) ينهيه أيضا بشكل غريب متجاوزا للصراع ومحولا له الى شخص رقيق المشاعر شديد الإنسانية.
المخرج خالد يوسف فى حرصه على إظهار وجوه جديدة فى أعماله أو إعادة تقديم بعض الممثلين الذين أهملهم الآخرون يحاول فى تقديرى صناعة ممثلين معترفين بفضله عليهم وليس اكتشاف مواهبهم الحقيقية، وما صنعة بممثل ذو إمكانيات جيدة كعمرو عبد الجليل والإصرار على تحويله الى مسخ، كل موهبته فى خلط الكلمات واستخدام القافية للمرة الثالثة على التوالى فى افلامه بغرض الإضحاك، هى طريقة مدمرة وتحشره فى مساحة ضيقة وتؤدى فى النهاية للقضاء عليه، وحتى الكلمات القليلة التى قالها بطريقة المثقفين عن الفساد والسرقات لا تنسجم مع الشخصية، ولكن يحمد له إهتمامه بشويكار هذا الكنز المنسى أو المهمل، كذلك بعض الممثلين الجيدين مثل حنان يوسف وإن كان دورها تم إختصاره فى هذا الفيلم الى كومبارس صامت تقريبا.
هناك تناقضا واستخفافا واضحا فى رسم الشخصيات، لا أدرى إن كان السبب فيه هو الورق الذى لم نعرف صاحبه الحقيقى هل هو سيد فؤاد أو عمرو سعد، من فيهما صاحب القصة ومن كتب السيناريو، ليس هذا هو المهم، المهم انه تم تشويه بعض الشخصيات مثل ممثل له امكانيات فنية وجسدية جيدة كرامى غيط (زين كآبة ) بعد دوره الجميل فى دكان شحاتة، وحتى لم يسلم من ذلك الممثل المتألق صبرى فوّاز فى دور صاحب المخبز( المعلم عرابى).
حتى الأغانى المصاحبة للشريط والتى سبق أن أتحفنا بها فى أفلامه السابقة بأصوات متميزة كالفنانة شيرين وأحمد سعد، فلم يكن لأغنية الفيلم أى معنى حقيقى أو توظيف.
يبقى فى النهاية أن أشيد ببعض الممثلين الذين لعبوا أدوارا متميزة كالمتألقة غادة عبد الرازق وماجد المصرى فى دوره الشرفى وحورية فرغلى فى أول أدوارها والتى أدتها بشكل جيد رغم تقديمها للجمهور فى دور قد يحبسها طويلا فى إطاره.
أخيرا أقول للمخرج خالد يوسف أرجو أن لا يكون رصيدك قد نفذ.....ولا تكلمنى شكرا.
ملحوظة:
توجد لى ملاحظة لا أدرى مدى قيمتها وهى استخدام الفيلم للإعلان عن شبكة محمول صراحة هى موبينيل، والصورة لبطل الفيلم ونجيب سويرس التى تم تعليقها فى الفيلم، كما أن اسم الفيلم هو عبارة عن رسالة خطية لنفس الشركة.

Friday, February 12, 2010

"رسائل بحر" غامضة

ما زال المخرج المبدع "داوود عبد السيد" قادرا على إمتاعنا مجددا بأعمال جميلة ورائعة ومنها تحفته الأخيرة "رسائل البحر" بعد صمت إمتد لسبع سنوات منذ آخر أعماله" مواطن ومخبر وحرامى" معتمدا على قصة من تأليفه وإخراجه، فيما عرف بسينما المؤلف التى برع فيها الأستاذ "يوسف شاهين" إمتدادا لهذا النوع من السينما العالمية منذ "شارلى شابلن".
لا أعرف لماذا تذكرت رواية "البيضاء" للعظيم "يوسف ادريس" وكان البطل فيها طبيب أيضا وإسمه "يحيى" بنفس اسم ومهنة " آسر ياسين" بطل فيلم الرسائل الذى أدى دوره ببراعة وحرفية شديدين تنبأ بمستقبل واعد وتحسب لداوود عبد السيدعلى حسن إختياره للكاست، وللمثلة المتميزة " بسمة" التى أدت دور الغانية "نورا" فى دور رائع يضيف رصيدا كبيرا لأدوارها.
إهتم داوود كثيرا كعادته برسم الشخصيات بريشة مدققة لم تهمل ادق التفاصيل، وذلك فى تقديرى على حساب المضمون الذى جاء مفككا مما يوحى أننا بإزاء عمل خالى من المضمون وبلا رؤية محددة، ورسالة غامضة حاول المخرج من خلال الراوى الذى اقحمه فى العمل مثل معظم اعماله ان يقوم بدور الشرح والتوضيح ولكن ذلك لم يساعد ذلك فى فك غموض الموقف.
كما لعبت الكاميرا دور البطولة فى العمل، وخاصة فى التركيز على جماليات الأسكندرية، ونمنمات العمارات القديمة بالمنشية وبحرى، واهتمام خاص بالألوان والإضاءة، مع تسجيل حى وتفصيلى لغضب البحر ومشاهد "النوّة" والتى رغم جمالها أعطتنا إحساسا بإقحامها على العمل، متأثرا فى ذلك بملكاته التى اختزنها من طول عمله فى السينما التسجيلية.
ربما حاول المخرج ايصال رسالة للمشاهد من خلال الشخصيات الرئيسية بضرورة التسامح كرؤية انسانية، ومن خلال الوضع الكوزموبلوتانى للمدينة، وبالروح العامة التى سادت طوال الفيلم من معظم ابطاله وحواره، موقف "محمد لطفى" (قابيل) الخارق القوة والذى يرفض استخدامها فى الضرب رغم ان دوره فى الفيلم القيام بتأديب المشاغبين من خلال وظيفته كبودى جارد، وموقف يحيى من الآخرين والحياة عامة وخاصة من نورا، كذلك ما جسدته الممثلة ذات الحضور الإنسانى الجميل "نبيهة لطفى" والتى قامت بدور الأم "فرنشسكا"، والإستثناء الوحيد كان فى "صلاح عبد الله" صاحب العمارة"الحاج هاشم"  والممثل للوجه القبيح للرأسمالية المتطفلة الجديدة التى تطفو على كل جوانب المجتمع والذى تفوق في دور الشرير، وإن كان رسم الشخصية فيه درجة من المبالغة من قبل المؤلف.
نأتى الى الرسالة الحقيقية للبحر فى الفيلم، وهى الورقة المكتوبة بلغة غريبة فى الزجاجة التى القى بها البحر للبطل، والتى قد تكون تيمة الفيلم الرئيسية، حيث لم يستطع فك طلاسمها رغم استعانته بالقواميس، وبالناطقين بكل اللغات الأوربية دون جدوى، والبحر كبطل فى ذاته يمثل فى الفيلم سطوة الإله عندما يغضب وعندما يمنع ويرضى.
توجد كثير من مناطق الضعف فى الفيلم، فقد سقط المخرج (المؤلف) فى تقليد السينما السائدة بإقحام موضوع الشذوذ والمثلية بلا مبرر مقنع، فما معنى التحول السريع والمفاجئ للمثلة المبدعة"سامية أسعد" والتى مثلت دور الإبنة وصاحبة الأتيليه (كارلا) لمجرد إلتقائها بزبونة مثلية، بعد ان عاد اليها حبيبها القديم، كذلك التناقض فى رسم شخصية نورا، واعترف اننى لم استطع فهم مبررات احترافها لمهنة الدعارة، والتشويش الذى احاط بنهاية الفيلم الذى اختلط علينا حول حقيقة موقفها، والإفراط فى ذكر كلمة "مومس" حتى أننى كففت عن العد بعد الرقم سبعة، أيضا حالة الإستسلام غير المبرر ليحيى وأسرة فرنشسكا من محاولة هاشم طردهم من السكن، ولا أعلم  معنى المشهد الأخير لخروج يحيى ونورا  من العمارة وأحد رجال هاشم يصرخ خلفهم (ابقوا روحوا إنضفوا قبل ما تسكنوا) وإذا ما كان ذلك يعنى تركهم الشقة بشكل نهائى أم هى طريقة المخرج بترك النهايات المفتوحة.
لا شك ان الصورة البديعة التى رسمها داوود للأسكندرية تعد من أجمل اللوحات بالفيلم، وتعمده عدم تحديد الإطار الزمنى لهذه الفترة، وان كنت كمعايش للمدينة أشعر أنها من رائحة السبعينيات وبقايا الوجود الأجنبى بها.
خلاصة القول أن سينما المؤلف لم تثبت أقدامها بعد عندنا رغم طول مدة تجريبها، فأعظم أعمال يوسف شاهين فى تقديرى هو فيلم الأرض عن رواية "عبد الرحمن الشرقاوى" وليس تلك الأعمال التى قام بكتابتها، وبالمناسبة فقد كان داوود عبد السيد مساعد مخرج فى هذا الفيلم، كما أن أعظم أعمال داوود هو فيلم "الكيت كات" عن رواية مالك الحزين لإبراهيم أصلان.
فى النهاية اجد لزاما على تقديم تحية واجبة لكل من آسر ياسين وبسمة والفذ محمد لطفى الذى قبل بوضعه فى الأدوار الثانية، وكذلك للمثلة والمطربة "مى كساب" ذات الشخصية المرحة والمحببة فقد كان دورها فى الفيلم رغم هامشيته جميلا ولا اجد غضاضة فى قبولها له.

Wednesday, February 10, 2010

البحر صاحب كُلّ بنت إلا انتي ليه ؟

يمكن عشان زُرقة عِنيكي أحلى من زُرقة عينيه

Tuesday, February 09, 2010

الصول عبد الجواد


عاش يحلم بها، منذ أن كانت طفلة تنمو أمامه رويدا، ضفيرتيها الملفوفتين بعناية خلف ظهرها، أناملها الرقيقة وهى تقبض على شنطة الكتب تدارى صدرها، ظهرها المستقيم وخطواتها الواسعة بالحذاء الأبيض، تتسل مسرعة من أول الحارة الى باب البيت كأنها تهرب من شيئ يطاردها، تنظر دائما الى نقطة فى الأفق، لا تدير رأسها أبدا فى أى الإتجاهين، وكأنها تمثال من شمع

هو كان ينتظرها بلهفة وشوق، عيناه لا تغيبان عن باب الحارة منتظرا اطلالتها، عيناه تلتقطها من بعيد، تنشرح اساريره وينفصل عن الجميع، يزداد خفق قلبه كلما إقتربت، يكاد نبضه يتوقف حين تمر أمامه، يود لو ثبتت الصورة هكذا، يودعا بنظراته حتى تختفى.

تمر الأيام والشهور وهو على هذا الحال، كل يوم يقرر أن يبدأها بالكلام لكنه يجبن، فى ذلك اليوم استجمع كل شجاعته، تحركت شفتيه بصوت لا يسمعه ملقيا تحية الصباح، تخيل للحظه انها ترد عليه، لاحظ ارتباكها وسرعة خطواتها حتى كادت تتعثر، أحس بالخجل الشديد، لعدة أيام لم يستطع أن يظهر فى حياتها.

إتخذ قرارا، ها هو يعود الى الحارة مرتديا البذة العسكرية، يضع البيريه الكاكى على رأسه، ذقنه حليقة، لحظات انتظارها تطول، قادمة هى من بعيد، لم يصبر حتى تصل، سار فى اتجاهها، ما إن اصبحت فى مرمى حديثة حتى رفع صوته محييا، فاجأه صوته مشروخا أجشّ، سمع ردها واضحا هذه المرة، ابتسامة شاحبة تعلو شفتيها.

لم يطاوعه قلبه ان ينتظر عودة أمه، صعد الى السطح محاولا أن يمد بصره الى شقتهم البعيدة، لا يرى شيئا سوى النور المنبعث من هناك، تخيلها جالسة بجانب امه، تلبس فستانا ابيض، تصور انه سمع صوت زغرودة، ربما كان صوت الرياح الشتوية، قرر النزول والذهاب هناك، وقف أمام البيت فى انتظار أمه، شاهدها تخرج من بيتهم وامها تودعها.

كان الصول "عبد الجواد" مستغرقا فى حكايته بكافة احاسيسه، يحرك يديه فى الهواء ويذداد احتقانا كلما أوغل فى القصة، كان حريصا على ان يذكر جميع التفاصيل، لم يكن ينظر الىّ، كأنما يتحدث الى نفسه، لا يتوقف الا ليشعل سيجارة جديدة، يأخذ نفسا عميقا ويستمر، كلما انتهى من جزء من الحكاية يمد يده ناحيتى بعلبة السجائر، وينظر الى ليتأكد اننى ما زلت اتابع.

عشرة اعوام كاملة مرت على زواجه منها، لم يأت الطفل بعد، لا يعرف للأيام طعما، مشتتا وفى حال من القلق المستمر، يخاف طول الوقت من كل شيئ، تنتابه لحظات بكاء طويلة، يحبها لدرجة العبادة، لا يتخيل لحظة ان يفارقها، هى أيضا تحبه، حريصة طول الوقت على ارضائه، تهتم بكل تفاصيل حياته، تهيئ له كل ما تستطيع، الأيام الثلاثة الأول من الإجازة لا يخرج من البيت، تطعمه بيدها، تسخنّ الماء لحمّامه، تليفّ له ظهره، تكوى البدلة العسكرية، تلمّع الحذاء، تهدهده كى ينام، يصحو من نومه كل يوم فزعا باكيا.

الإجازة اصبحت بالنسبة له عبئا ثقيلا، فى بدايتها يخاف أن ينزل، وعندما تنتهى يخشى أن يعود، آخر يوم توقظه من نومه مبكرا، تحضّر له إفطاره، تقف بين يديه حتى يأكل، تصب له الشاى وتساعده فى إرتداء ملابسه، تقبله وتدعو له بالسلامة، وهو خارج من الباب تقرأ المعوذتين.

يقف على رصيف المحطة ساهما، لا يفكر فى شيئ، لا يشعر بالوقت الذى يمر أو بمن يتزاحمون حوله، لا ينتبه لصوت القطار القادم أو المغادر، الوقت يمضى والتذكرة بين أصابعه، ينتبه أخيرا أنه جائع، ينظر بعينين زائغتين الى ساعة المحطة، مرت جميع القطارات، يسحب أقدامه مجهدا عائدا الى بيته، لا تسأله اين كان ولماذا عاد، تأخذه على كتفها كطفل، تطبطب على ظهره، وتساعده فى خلع ملابسه.

لم تكن علاقتى بالصول عبد الجواد وثيقة الى درجة أن يفتح قلبه ويحكى قصته، كنت حديث التجنيد ووصلت الى الوحدة من وقت قريب، الغالب انه كان يبحث عن شخص يجيد الإستماع ، وكنت أنا هو، كنا نجلس معا على الرمل فى ضوء القمر، كمية الضوء تسمح بالكلام ولكن لا تجعلنى ارى جيدا تعبيرات وجهه، فقط شاهدت ما يشبه الدمعتين تنسابان على خده، حاولت التواصل معه، لكن أحسست أن فى قصته ثمة شيئ ناقص، ضلع غير مكتمل من المربع، حدست ان ذلك الجزء هو الأهم، والذى يمكن أن يحل العقدة.

ألقيت نظرة فاحصة عليه، ربع الجسم، بسمرة اهل الجنوب، شاربيه مقوسان الى الأعلى، وآثار إصابة قديمة على جبهته، يشبه أحد أبطال الأساطير، تذكرت ابوزيد الهلالى فى التغريبه.

نسائم الصباح هلت علينا، بعد صلاة الفجر ذهبت معه الى الكانتين، جلسنا وحدنا متقابلين، الإفطار لا يتغير، جبن مثلثات ومربى، أخذنا أكواب الشاى الساخن معنا الى القشلاق، تمدد على سريره والسيجارة ما زالت بين أصابعة، بدأته بالكلام، كان يرد بعبارات قصيرة متحفظة، بعد كثير معاندة استطعت ان اعرف السر، إنه لا يستطيع.

أحس أنه تورط معى فى الكلام، لاذ بالصمت، ارتدى ملابسه وعدّل من هندامه فى المرآة التى على الحائط، لف سبابته وإبهامه على شاربيه مرتين، بعد أن أكمل لبس البيادة نظر الى وبصوت حاد طلب منى سرعة التحرك كى نلحق طابور الصباح.

بعد الغذاء حاولت التلاطف معه، كان يتعمد الخشونة، حاول ان يشعرنى ببعد المسافة بينى وبينه، صول ومجرد جندى مجند، لم أرغب فى التقليل من شأنه، أو الإيحاء أننى كشفت سرا يقلل من كرامته، كنت حريصا طول الوقت ان ابقى جانبه دون تكلف، بدأت جهامته تلين شيئا فشيئا، بعدها صرنا أصدقاء.

كلما اقترب موعد الإجازة كان يتوتر، ليلتها لم ينم طوال الليل، بكى كثيرا، حاولت التخفيف عنه، سألته ان كان لجأ لطبيب، أجابنى وعينيه تنظران الى السقف انه طرق جميع الأبواب، الأطباء والمشعوذين والزار والمخدرات وكل الطرق، لكنها سدت فى وجهه، فى الصباح حملت معه الشنطة وطلعنا على الطريق، أشار بكلتا يديه من نافذة الباص وهو يغادر.

كنت قلقا عليه كثيرا هذه المرة، أعّد الأيام وأحسب ما تبقى لعودته، فى اليوم المحدد لوصوله لم استطع الإنتظار، ذهبت الى الموقف على امل ان يصل، لكن مخاوفى تحققت، تكرر ذلك فى اليوم التالى والأيام اللاحقة، سألت عنه كل العائدين من اجازاتهم، شعرت بمسئولية تجاهه، قررت البحث عنه.

انسانة طيبة، ريفية أصيلة، لم تتوقف عن البكاء طوال الوقت، أخبرتنى انه كان دائم الشرود طول اجازته، لايأكل الا الكفاف ويدخن بشراهه، فى اليوم الأخير بكى كثيرا، أخذته فى أحضانها وبكت معه، فى الصباح لم يستطع اكمال لبسه، خرج مسرعا بدون وداع، حاولت اللحاق به لكنه كان أسرع।

لم اجد الكثير من الكلمات، حاولت طمأنتها أنه سيعود، كان إحساسى عكس ذلك، وأنه قد ذاب فى الزحام، فى رحلة البحث عنه سمعت قصصا وحكايات كثيرة، البعض قال أنه سافرالى ليبيا، وآخرون قالوا انه ذهب الى البحر الأحمر، ومجند من الأسكندرية أقسم انه شاهده مطلق لحيته ويدور فى حلقات الذكر بمولد ابو العباس.