Wednesday, February 28, 2007

شخصيات من السجن




كتكوت
لم أهتم بمعرفة إسمه الحقيقى, أو حتى بقية الأسم, كان واضحا أنه كنى بهذا الأسم نتيجة صغر حجمه, وسرعة حركته, كنت أحس أنه لا يتحرك , بل يقفز من مكان لآخر,يهبط من الدور الرابع بسرعة القط من فوق الدرابزين.
كان دائم الإبتسام, ودودا,يدخل الى القلب بسهوله, كنا نتبادل التحية فى أوقات الفسحة, وأثناء طابور الشمس.
فى يوم إلتقيته فى الكانتين,بادئنى بالسلام, مد يده مصافحا, طلب منى أن أشترى له كوبا من الشاى, طلبت كوبين,إنتحيت به جانبا, جلسنا على الأرض, أشعلت سيجارتين, وبدأ يحكى لى ما حدث
بدأت القصة منذ شهرين تقريبا, كان يتمشى مع صديقه(سيد النص) فى محطة الرمل, بعد مشاهدة فيلم ’’كيف تسرق مليون دولار", كان سيد يكبره بعدة سنوات, كان يشعر بأنه استاذه, عقله راجح, قليل الكلام, جلسا معا على سور الكورنيش يتحدثان, بدون سابق موعد اقترب شخص ما, يحمل شنطة صغيرة مدلاة من رقبته, سارع فحيّا سيد, طلب الانتحاء به, بادره سيد بأن كتكوت ليس غريبا, عرّفنا معا, هو سلامه مصور الأفراح بصالات محطة الرمل, تردد سلامة فى الكلام, ولكنه بعد برهه من الصمت طلب من سيد أن نتمشي على الكورنيش
سرنا نحن الثلاثة متجاورين, سيد فى الوسط ونحن الى جواره, وبدأ سلامة الحديث ذاكرا أن لديه عملية جاهزة, وأخرج بعض الصور من الشنطة حول رقبته, وبدأ الشرح: هذه الصورة لمحطة الرمل والثانية لمسرح التروبيكو المطل على المحطة والذى تقام فيه حفلات الأفراح, والثالثة من داخل المسرح, والتى تليها من الشباك الخلفى للمسرح والتى تطل على منور, أما الأخيرة فهى مسقط خلفى من المنوريطل على ساحة خالية
أكمل سلامة فكرته, المنوربه الجدار الخلفى للدكاكين التى بجوار السينما, وأهمها محل المجوهرات والساعات الشهير, يمكن الاختباء بالمسرح, والهبوط على المواسير, وعمل فتحة فى الجدار من الخلف
قال سيد: حسنا يا سلامة, شكرا, دعنى أدرس الموضوع, وعلى كل حال حقك محفوظ
بدأ سيد فى وضع خطة للمراقبة, كنا نسهر يوميا فى محطة الرمل, وفى أيام متفرقة نندس مع المعازيم في الأفراح التى تقام بالمسرح, ندرس المداخل والمخارج ومتى يفتح ويغلق, والشبابيك الخلفية, وتصرفات الحارس, وجميع التفاصيل الصغيرة
أخيرا وبعد الانتهاء من الرصد والمراقبة, وضع سيد الخطة, سوف نبقى بالمسرح حتى انتهاء الأعراس, اى ما بعد منتصف الليل, ثم نندس خلف الستائر لحين خروج الجميع واقفال الأبواب, بعد ذلك نقوم بالعمل
طلب سيد وجود شخص ثالث يمكن الائتمان له, تكون له وظيفه صغيرة ومحددة, هى أن يشاغل فرّاش المسرح حين حضوره فى الصباح لحين خروجنا , تذكرت عادل, شاب جامعى فاشل تصادقنا على المقهى معا, سألنى ان كنت اثق به, فأكدت له هذه الثقة, واتفقنا على يوم التنفيذ, مساء يوم الخميس, حيث اليوم الذى يليه اجازة, ولن يتم اكتشاف السرقة الا متأخرا
سارت الأمور كما خطط لها سيد بدقة, سهرنا حتى وقت متأخر, مع قرب خلو المسرح من الجميع, اختبأنا خلف احدى الستائر, بعد ذهاب الجميع, سمعنا صوت عم اسماعيل يغلق الشبابيك والباب, ثم صوت أقدامه تهبط السلم, ثم وهو يغلق البوّابة الخارجية
بعد فترة قصيرة بدأنا نتعود على المكان, كانت أنوار محطة الرمل ونيون الاعلانات تضيئ المكان, أكلنا وشربنا ودخنا سجائر الحشيش ولعبنا الكوتتشينةحتى قبيل الفجر, ثم تهيأنا للعمل, هبطنا على المواسير بسهولة , وبعد حوالى أقل من نصف ساعة من الحفر كنا داخل المحل, كان بريق المجوهرات يضيئ المكان, استعملنا بطارية للرؤية, ثم ملأنا حقيبة كانت معنا بكل المجوهرات والساعات على الأرفف
جلسنا فى المسرح المغلق الستائر حتى الصباح, أصوات الترام وباعة الصحف والمارة والسيارات بدأت تملأ المكان, سمعنا صوت الباب الخارجى يفتح وعم اسماعيل يصعد الدرج, اختبأنا فى أحد الحمامات والمفتاح يدورفى الباب,كان قلبى يرتجف بينما سيد يفتح نصل المطواة, لم نسمع صوت عادل حسب الاتفاق ينادى على عم اسماعيل, توتر الموقف أكثر والرجل يدخل الى الحمامالآخر ثم وهو يغسل يديه ووجهه, ثم استدار ليفتح الستائر وينادى الحلبى ليعد له قطعة هريسة بالقشدة.
كنا فى أعقاب الرجل,خرجنا مسرعين نتنفس هواء الصباح المنعش على الكورنيش, كان عادل قادما من الاتجاه الآخرو عليه آثار النوم, صفعه سيد وطلب منه أن يختفى حتى حين, سألت سيد أين سنضع الشنطة الآن, اقترحت عليه أن أخفيها عند أختى فى الورديان حتى تهدأ الأمور فوافق.
عدت من الورديان الى محطة الرمل, كان لدى فضول أن أشاهد صاحب المحل عندما يكتشف السرقة, فوجئت به حوالى العاشرة يفتح المحل رغم أن اليوم جمعة, سمعت صراخه وعويلة واذدحام الناس وأنا منهم حوله, وحضور سيارات النجدة, سمعت أحدهم يقول :تصورا لقد غفل اللصوص عن الأموال السائلة بالدرج, فتحسرت .
رتب سيد شخص لشراء المجوهرات يعمل تاجر خردة, أحضرت البضاعة وصرّفها سيد بمعرفته, ووزعها بمعرفته, أعطى سلامة حصته, وأعطانى عشرة آلاف, وأيضا ألفين لعادل حتى يسكت
كان عادل هو المشكلة, بدأ يصرف ببذخ, طلب منى سيد أن آخذه خارج الأسكندرية لبعض الوقت, ذهبت به الى المنصورة لمدة اسبوع, أفهمته ان لا يحاول اظهار المال, لكنه لم يفعل, كان والده حلاقا فقيرا شريفا, شعر بالتغيّر الذى طرأ على ابنه, فأبلغ الشرطة
اعترف عادل فتم القبض عليّ وسيد وهو, وسرعان ما تم فك خيوط القضية تحت التعذيب, وزجّ بثلاثتنا فى السجن, حيث كان يعامل عادل من المساجين كأسوأ ما يكون, وكانوا يطلقون عليه اسم" التلميذ"تحقيرا

0000

بعد حوالى السنتين كنت أقف بميدان سعد زغلول فى انتظار الأتوبيس, فوجئت بكتكوت بجسده الضئيل تنشق عنه الأرض ويقف بجانبى ويقول: والنبى وحياتك يادكتور تخبينى الا البوليس ورايا

(تمت)

Sunday, February 18, 2007

الآخر


نما لديه شعور بالرغبة فى الإبتعاد, لا يدرى متى بدأ ذلك, ولكنه يريد الهروب, هناك من يطارده طوال الوقت, يريد أن ينتقم منه, يجهل السبب, لكن ذلك الآخريتعمد إيذائه.
هذا اللعين يحاول السيطرة عليه, يقفز على لسانه محاولا إخراج كلمات لا يريدها, يحاول ألاينطق بما يريده ولكنه يفشل, يحس أنه يصارع ذلك الآخر طوال الوقت, يشعر فى النهاية بالإنهاك وعدم القدرة على المواجهه, يشعر بالرغبة فى الإنسحاب والهروب بعيدا, ربما المغادرة الى بلد آخر جديد, لايعرفه فيه أحد.
حتى الجميع أصبحوا ضده, يتآمرون مع الآخر قصد الإيقاع به, تظهر على وجوههم علامات السخرية منه, وعدم تصديقه, يتعمدون غالبا إيذائه,وأحيانا يظهرون الشفقة عليه وكأنما هو مريض, كلما دخل عليهم يقطعون الحديث فجأة, ينظرون فى وجوه بعضهم ويبتسمون, هؤلاء الملاعين يتآمرون عليه.
إرتبك تفكيره, اصبح يهرب منهم, يريد أن يختبئ بعيدا, لايريد أن يكلم أحدا, جهات عديدة تتسلط عليه, يجب أن يكون حريصا, ربما إستطاعوا أن يعرفوا سرَقوته,أو يتلصصون على أفكاره, يسرقونها وينسبوها لأنفسهم.
ما زال هذا الآخر يجلس فوق أذنيه, يهمس دائما له, يعطيه الأوامر, كأنما هو شيطان يتلبسه, كم ود لو يجرى مبتعدا فلا يلحق به, لكن يبدو ألا فائدة.
راودته فكرة القتل, ماذا لو غافله وأجهز عليه, ولكنه لا يشاهده الاَ نادرا, كطيف يلمع ثم يختفى, لكنه دائما يسير خلفه, يستطيع تحديد مكانه بدقة, قد يجد فرصة مناسبه للإيقاع به.
فكر فى قتله بسكين, يحتفظ به بين طيات ثيابه, ينتظر اللحظة المناسبة ويهوى به عليه, لكنه تردد, ماذا لو لم يمت من أول طعنة وكيف سيكون رد فعله, ربما يكون هو الأقوى فيقتله.
خطر له أن يغافله ويلقى به من فوق اسوار القلعة, أو من الدور الأخيرمن العمارة, لكنه خشى من ردّة فعل الناس, ماذا لولحقوه و فتكوا به.
هاهو الحل أخير, قررمباغتته من أعلى الكوبرى , سيلقى به فجأة فى مياه النيل, انه حل مثالى, لن يشعر به أحد, وسيستطيع الهروب ببساطه.
أحس بالشعور بالانتعاش, سوف يتخلص منه, ويمكنه أن يعود الى حياته الهادئة التى كانت, أحس بخطواته تتسع, وأن أنفاسه أكثر انتظاما وهو يسير مسرعا على الكوبرى.
هاهو الكوبرى ينتصف أو يكاد, أسند جسده الى السياج, نصفه الأعلى يتدلى الى أسفل, مازال صوته يهمس فى أذنه , بحركة سريعة التف بجسدة, يداه تمسك بذلك الشئ بشدّة , وهو يهوى به الى النهر, إرتطم بالماء بشدة, وهوى سريعا إلى القاع.